الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}. .فصل في ورود الذكر في القرآن: الأول: بمعنى الطاعة كهذه الآية أي: أطيعوني أغفر لكم. الثاني: العمل، قال تعالى: {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واذكروا مَا فِيهِ} [البقرة: 63] أي: اعملوا بما فيه. الثالث: العِظَة، قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين} [الذاريات: 55] أي العِظَة، ومثله {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} [الأنعام: 44] أي: ما وعظوا به. الرابع: الشَّرف قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] ومثله: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} [المؤمنين: 71] أي: بشرفهم، وقوله: {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} [الأنبياء: 24] أي: شرف. الخامس: القرآن قال تعالى: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} [ص: 8] أي: القرآن، ومثله: {وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} [الأنبياء: 50]. السادس: التوراة قال تعالى: {فاسألوا أَهْلَ الذكر} [النحل: 43] أي: التوراة. السابع: البيان، قال تعالى: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} [الأعراف: 63]. الثامن: الصلاة، قال تعالى: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} [الجمعة: 9]. قوله: {واشكروا لِي}. تقدم أن شَكَر يتعدّى تارة بنفسه، وتارة بحرف جر على حد سواء على الصحيح. وقال بعضهم: إذا قلت: شكرت لزيد، فمعناه شكرت لزيد صَنِيْعَهُ، فجعلوه متعديًا لاثنين. أحدهما: بنفسه، والآخر بحرف الجر، ولذلك فسر الزمخشري هذا الموضع بقوله: واشكروا لي ما أنعمت به عليكم. وقال ابن عطية: واشكروا لي، واشكروني بمعنى واحد. ولي أفصح وأشهر مع الشّكر، ومعناه: نعمتي وَأَيَادِيَّ، وكذلك إذا قلت شكرتك. فالمعنى شكرت لك صنيعك وذكرته، فحذف المضاف؛ إذ معنى الشكر ذكر اليد، وذكر مُسْدِيها معًا، فما حذف من ذلك، فهو اختصار لدلالة ما بقي على ما حذف. وأصل الشكر في اللغة: الظهور، فشكر العبد لله- تعالى- ثناؤه عليه بذكر إحسانه، وشكر الله سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له، إلا أن شكر العبد نُطق باللسان، وإقْرَار بالقلب بإنعام الرب. وقوله تعالى: {وَلاَ تَكْفُرُونِ} نهي ولذلك حذفت منه نون الجماعة، وهذه نون المتكلم، وحذفت الياءح أنها رأس آية إثباتها أحسن في غير القرآن، أي: لا تكفروا نعمتي، فالكفر هنا سَتْر النعمة لا التكذيب. اهـ. باختصار. .التفسير الإشاري: ومن باب الإشارة والتأويل في الآيات السابقة إلى هنا: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} أي بمراتب الروحانيات كالقلب والسر والروح والخفاء والوحدة والأحوال والمقامات التي يعبر بها على تلك المراتب كالتسليم والتوكل والرضا وعلومها {فَأَتَمَّهُنَّ} بالسلوك إلى الله تعالى وفي الله تعالى حتى الفناء فيه {قَالَ إِنّى جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا} بالبقاء بعد الفناء، والرجوع إلى الخلق من الحق، تؤمهم وتهديهم سلوك سبيلي، ويقتدون بك فيهتدون {قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124] فلا يكونون خلفائي مع ظلمهم وظلمتهم برؤية الأغيار ومجاوزة الحدود {وَإِذْ جَعَلْنَا} بيت القلب مرجعًا للناس، ومحل أمن وسلامة لهم إذا وصلوا إليه وسكنوا فيه من شر غوائل صفات النفس، وفتك قتال القوى الطبيعية وإفسادها، وتخييل شياطين الوهم والخيال وإغوائهم. {واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم} الذي هو مقام الروح والخلة موطنًا للصلاة الحقيقية التي هي المشاهدة والخلة الذوقية {وَعَهِدْنَا إلى إبراهيم وإسماعيل} [البقرة: 125] أمرناهما بتطهير بيت القلب من قاذورات أحاديث النفس، ونجاسات وساوس الشيطان، وأرجاس دواعي الهوى، وأدناس صفات القوى للسالكين المشتاقين الذين يدورون حول القلب في سيرهم، والواصلين إلى مقامه بالتكول الذي هو توحيد الأفعال، والخاضعين الذين بلغوا إلى مقام تجلي الصفات وكمال مرتبة الرضا، الغائبين في الوحدة، الفانين فيها {وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجعل هذا} الصدر الذي هو حريم القلب {بَلَدًا آمِنًا} من استيلاء صفات النفس، واغتيال العدو اللعين، وتخطف جن القوى البدنية {وارزق أَهْلَهُ} من ثمرات معارف الروح من وحد الله تعالى منهم وعلم المعاد إليه، قال: ومن احتجب أيضًا من الذين يسكنون الصدر ولا يجاوزون حده بالترقي إلى مقام العين لاحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر {فَأُمَتّعُهُ قَلِيلًا} من المعاني العقلية والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على حسب استعدادهم {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ} نار الحرمان والحجاب {وَبِئْسَ المصير} [البقرة: 126] مصيرهم لتعذيبهم بنقصانهم وعدم تكميل نشأتهم {وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم القواعد مِنَ البيت} على الكيفية التي ذكرناها قبل {وإسماعيل} كذلك قائلين {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} مجاهداتنا ومساعينا في السلوك إليك بامداد التوفيق {إِنَّكَ أَنتَ السميع} لهواجس خواظرنا فيه {العليم} [البقرة: 127] بنياتنا وأسرارتا {رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} لاتكلنا إلى أن أنفسنا {وَمِن ذُرّيَّتِنَا} المنتمين إلينا {أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا} طرق الوصول إلى نفي ما سواك {وَتُبْ عَلَيْنَا} فيك عن أنفسنا وفنائنا {إِنَّكَ أَنتَ التواب} الموفق للرجوع إليك. {الرحيم} [البقرة: 128] بمن عوّل دون السوى عليك {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولًا مّنْهُمْ} وهو الحقيقة المحمدية {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياتك} الدالة عليك {وَيُعَلّمُهُمُ} كتاب العقل الجامع لصفاتك {والحكمة} الدالة على نفي غيرك {وَيُزَكّيهِمْ} ويطهرهم عن دنس الشرك {إِنَّكَ أَنتَ العزيز} [البقرة: 129] الغالب، فأنى يظهر سواك المحكم لما ظهرت فيه فلا يرى إلا إياك {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إبراهيم} وهي التوحيد الصرف، إلا من احتجب عن نور العقل بالكلية، وبقي في ظلمة نفسه {وَلَقَدِ اصطفيناه} [البقرة: 130] فكان من المحبوبين المرادين بالسابقة الأزلية في عالم الملك، وأنه في عالم الملكوت من أهل الاستقامة، الصالح لتدبير النظام وتكميل النوع {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} أي وحّد وأسلم لله تعالى ذاتك {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين} [البقرة: 131] وفنيت فيه {ووصى} بكلمة التوحيد {إبراهيم بَنِيهِ} السالكين على يده وكذلك يعقوب {وَيَعْقُوبُ يابنى إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ} دينه الذي لا دين غيره عنده {فَلاَ تَمُوتُنَّ} [البقرة: 132] بالموت الطبيعي وموت الجهل، بل كونوا ميتين بأنفسكم، أحياء بالله أبدًا، فيدرككم موت البدن على هذه الحالة {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} فلا تكونوا مقيدين بالتقليد البحت لهم، فليس لأحد إلا ما كسب من العلم والعمل والاعتقاد والسيرة، فكونوا على بصيرة في أمركم، واطلبوا ما طلبوا لتنالوا ما نالوا {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 9 6] ومن دق باب الكريم ولجّ ولج. اهـ. .تفسير الآية رقم (153): .مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: .قال الفخر: إلا أن القول الذي اخترناه أولى لعموم اللفظ وعدم تقييده، والاستعانة بالصلاة لأنها يجب أن تفعل على طريق الخضوع والتذلل للمعبود والإخلاص له، ويجب أن يوفر همه وقلبه عليها وعلى ما يأتي فيها من قراءة فيتدبر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ومن سلك هذه الطريقة في الصلاة فقد ذلل نفسه لاحتمال المشقة فيما عداها من العبادات ولذلك قال: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45] ولذلك نرى أهل الخير عند النوائب متفقين على الفزع إلى الصلاة، وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. اهـ. .القراءات والوقوف: .القراءات: .الوقوف: .من أقوال المفسرين: ولما كانت الصلاة لا تقوم إلا بالصبر اقتصر على التعليل به فقال: {إن الله} أي الذي له الكمال كله {مع الصابرين} أي ومعلوم أن من كان الله سبحانه وتعالى معه فاز. قال الحرالي: وأيسر الصبر صبر النفس عن كسلها بأخذها بالنشاط فيما كلفت به {لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها} [الطلاق: 7] و{لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286] فمتى يسر الله سبحانه وتعالى عليها الجد والعزيمة جعل لها فيما كانت تصبر عليه في الابتداء الاستحلاء فيه وخفت عنها وظيفة الصبر، ومتى لم تصبر عن كسلها وعلى جدها تدنست فنالها عقوبات يكون الصبر عليها أشد من الصبر الأول، كما أن من صبر عن حلو الطعام لم يحتج أن يصبر على مر الدواء، فإن تحملت الصبر على عقوبات ضياع الصبر الأول تداركها نجاة من اشتداد العقوبة عليها، وإن لم تتصبر على تلك العقوبات وقعت في مهالك شدائد العذاب فقيل لأهلها {فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم} [الطور: 16] ثم قال: فبداية الدين صبر وخاتمته يسر، فإن من كان الله سبحانه وتعالى معه رفع عنه مرارة الصبر بوضع حلاوة الصحبة التي تشعر بها كلمة مع. انتهى. سؤال: إن قيل لم قال: {إن الله مع الصابرين} ولم يقل مع المصلين وقال في الآية الأخرى {واستعينوا بالصبر والصلوة وإنها لكبيرة} فاعتبر الصلاة دون الصبر؟ قيل لما كان فعل الصلاة أشرف وأعلى من الصبر إذ قد ينفك الصبر عن الصلاة ولا تنفك الصلاة عن الصبر ذكر هاهنا الصابرين فمعلوم أنه تعالى إذا كان مع الصابرين فهو لا محالة يكون مع المصلين بطريق الأولى وقال هناك لكبيرة فذكر الصلاة دون الصبر تنبيها على أنها أشرف منزلة من الصبر. اهـ. .سؤال: لم افتُتح الكلام بالنداء؟ وفي افتتاح هذا الخطاب بالاستعانة بالصبر إيذان بأنه سيُعقب بالنَّدْب إلى عمل عظيم وبلْوى شديدة، وذلك تهيئةٌ للجهاد، ولعله إعداد لغزوة بدر الكبرى، فإن ابتداء المغازي كان قُبيل زمن تحويل القبلة إذ كان تحويل القبلة في رجب أو شعبان من السنة الثانية للهجرة وكانت غزوة بُوَاطَ والعُشَيْرَةِ وبدْرٍ الأولى في ربيع وجمادى من السنة الثانية ولم يكن فيهما قتال، وكانت بَدْرٌ الكبرى في رمضان من السنة الثانية فكانت بعد تحويل القبلة بنحو شهرين. اهـ.
|